العمل عن بعد، وتداعيات تهديده لسوق تأجير المكاتب

بفعل ما فرضته الأزمة الصحية التي تسبب فيها فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) من انتقال من العمل الحضوري إلى العمل عن بعد، وما ترتب عن ذلك من تداعيات على العديد من الأنشطة الاقتصادية، بدأ محللون ومسؤولون عقاريون يتساءلون بشأن تهديد العمل عن بعد لسوق تأجير المكاتب، مؤكدين أنه “من السابق لأوانه” تقديم إجابات حاسمة بهذا الخصوص.

وإذا كان من غير الممكن إنكار أن هذا النمط من العمل أتاح للعديد من المقاولات مواصلة أنشطتها طيلة فترة الحجر، إلا أن الأمر يدفع، على المديين المتوسط والبعيد، إلى طرح تساؤلات تهم عدة قضايا، خاصة منها ما يتعلق بالجوانب القانونية والتعاقدية بين المشغل والمتعاون، وبقدرة المقاولات على الاستثمار، خلال هذه الأزمة، في البنيات التحتية الرقمية وضمان أفضل الظروف للعمل عن بعد.
 
وفي هذا الصدد، أكد المدير العام المنتدب لقطب الاستشارة والمعاملات بمجموعة (أ.الأزرق) وعضو المعهد الملكي للمساحين المعتمدين (MRICS) كريم التازي أنه ” من السابق لأوانه قياس الأثر الإجمالي على استهلاك المساحة، ويمكن قياس التأثير على معدل استئجار المكاتب والطلب عليها خلال ستة أشهر، لكن في مرحلة أولى يمكن القول إن التغيير سيكون محدودا”.
ومن جهة أخرى، أبرز المتحدث أن شركات متعددة الجنسية أظهرت حاجتها إلى مساحات إضافية للاستجابة إلى معايير التباعد الاجتماعي التي تفرضها الشركات الأم، مشيرا إلى أن الطلب على فضاءات العمل تضاعف مرتين أو ثلاثا.
وفيما يتعلق بأسعار إيجار المكاتب، ذكر التازي أنها تتراوح بين 100 و250 درهم للمتر المربع حسب الموقع والمساحة ومستوى التهيئة، مبرزا أن هذه الأسعار عرفت نوعا من الاستقرار مسجلة انخفاضا طفيفا.

وسجل أن “المكاتب المعروضة للإيجار سبق وأن شهدت تعديلات قبل ثلاث سنوات، حيث وصلنا حاليا إلى مستويات معقولة بالنسبة للعمارات التي أصبحت تتوفر على أفضل المعايير الدولية، حيث سيطلب من المالكين مراعاة الشروط التي تفرضها عقود الحق في الامتياز (الفرانشيز) الخاصة بالمكاتب، أو المساهمة في إعادة تأهيل الفضاءات حسب المقاييس الجديدة”.
 
والرأي ذاته يتقاسمه الخبير في العقار وعضو المعهد الملكي للمساحين المعتمدين عدنان با جدي، إذ اعتبر أنه ما يزال مبكرا الخروج بخلاصات حول تأثير العمل عن بعد على قطاع تأجير المكاتب.
 
 
وقال إنه” مع الأداء الضعيف للاقتصاد المغربي بسبب الوباء، لاحظنا تراجعا كبيرا للطلب على استئجار فضاءات مكتبية جديدة”، مضيفا أن هذا التراجع يعزا إلى توقف الأنشطة الاقتصادية للعديد من المقاولات والانتظارية لدى الفاعلين الاقتصاديين الذين أجلوا مشاريعهم المتعلقة باستئجار مكاتب جديدة.
وتابع هذا الخبير أن الأمر يتعلق برغبة بعض المقاولات في تحسين بصمتها العقارية من أجل التخفيف من التكاليف المالية، مشيرا إلى أنه يتم النظر إلى العمل عن بعد كبديل معقول يسمح بالوصول إلى هذا الهدف.
 
وهي ملاحظة يختلف معها المدير العام لموقع “مبوب” السيد كيفين كورمون، الذي يرى أن تأثير العمل عن بعد، على المديين المتوسط والبعيد، يوشك أن يكون كبيرا، وأن يغير المعطيات في سوق تأجير المكاتب.
 
وأوضح، بهذا الخصوص، أن المقاولات أدركت فعليا، مع هذه الأزمة الصحية، أن طواقمها يمكن أن تؤدي عملها بشكل جيد عن بعد، وستظل، لأسباب تتعلق بالنجاعة والسلامة الصحية وجودة ظروف العمل، الاستمرار في اعتماد العمل عن بعد للراغبين في ذلك.

وأكد أن “الكل رابح، وكبريات الشركات العالمية كفايس بوك وكوكل، الذين استثمروا، إلى حدود اليوم، مبالغ ضخمة من أجل خلق مركب عمل، تفكر في الانتقال مائة في المائة إلى العمل عن بعد”، مشيرا إلى أنه تبعا لهذه المعطيات، فإن الطلب على استئجار المكاتب سيقل للتكيف مع نمط العمل الجديد.
وفيما يخص الأسعار، أفاد السيد كيفين كورمون أنها ما تزال رهينة معادلة العرض والطلب، لافتا إلى أنه” بالنسبة للمساحات الكبرى، سنشهد تراجعا في الأسعار نتيجة تراجع الطلب عليها، في حين أنه بالنسبة للمساحات المتوسطة والصغرى يتوقع أن يكون العكس، إذ أنه في حال توجيه جزء كبير من الطلب نحو المساحات الصغيرة جدا، فإن الأسعار لا يمكنها أن تتراجع حسابيا، بل إنها سترتفع”.
 
للتوصل بالعديد من الأخبار والنصائح وكذا آخر المستجدات الخاصة بالسوق العقارية ندعوكم إلى البقاء على تواصل تام مع جديد تدوينات الموقع العقاري الأول مبوّب.