التماطل في أداء الوجيبة الكرائية… ما لك وما عليك

نظم المشرع بكيفية صريحة مسألة دفع الوجيبة الكرائية، من خلال مقتضيات الفصل 664 من قانون الالتزامات والعقود، كما أنه نظم بكيفية صريحة مسألة مكان دفع تلك الوجيبة، من خلال مقتضيات الفصل 666 من نفس القانون. غير أن هذا التنظيم، وخاصة بالنسبة للمكان الذي يجب أن تدفع فيه الوجيبة الكرائية بالنسبة للعقارات المكرية، لم يضع حدا للمشاكل التي يمكن أن تثار أمام القضاء بهذا الخصوص.

ولعل ما يزيد الموضوع أهمية قصوى، أنه يمس عن قرب مفهوم التماطل الذي قد يجعل ـ في حالة ثبوته ـ المكتري فاقدا للحق في البقاء بالعين المؤجرة، على ما يستفاد من عدة مقتضيات تشريعية منها ما ضمن بقانون الالتزامات والعقود، ومنها ما ضمن بظهير 24 ماي 1955، ومنها ما ضمن أخيرا بظهير 25 دجنبر1980.
فالقاعدة العامة أن المكتري الذي يتقاعس عن أداء الوجيبة الكرائية في وقتها المحدد يعد متماطلا من الناحية القانونية، غير أن تطبيق هذه القاعدة على إطلاقها قد ينتج عنه أحيانا ظلم يمتد إلى المكتري يصعب، بل ويستحيل أحيانا تداركه، لذلك، فان المشرع قد أحاط المسألة ببعض التنظيم، وهو تنظيم لم يبق القضاء بعيدا عنه، وإنما عمل على تطويره بكيفية غير منظمة.
وقد نص المشرع في الفصل 254 من قانون الالتزامات والعقود، على ما يلي:
-” يكون المدين في حالة مطل إذا تأخر عن تنفيذ التزامه كليا أو جزئيا من غير سبب”
ونص في الفصل 255 من نفس القانون على أنه:
-” يصبح المدين في حالة مطل بمجرد حلول الأجل المقرر في السند المنشئ للالتزام.
فإن لم يعين للالتزام أجل، لم يعتبر المدين في حالة مطل، إلا بعد أن يوجه إليه أو إلى نائبه القانوني إنذارا بوفاء الدين، ويجب أن يتضمن هذا الإنذار:

  1.  طلبا موجها إلى المدين بتنفيذ التزامه في أجل معقول.
  2.  تصريحا بأنه اذا انقضى هذا الأجل، فإن الدائن يكون حرا في أن يتخذ ما يراه مناسبا إزاء المدين.

ويجب أن يحصل هذا الإنذار كتابة، ويسوغ أن يحصل ولو ببرقية أو برسالة مضمونة أو بالمطالبة القضائية ولو رفعت إلى قاضي غير مختص”.
وحتى تكتمل هذه الأحكام أمامنا، نرى أنه من المفيد كذلك استحضار مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 275 من ذات القانون وهي تنص على ما يلي:
” إذا كان محل الالتزام مبلغا من النقود وجب على المدين أن يقوم بعرضه على الدائن عرضا حقيقيا فإذا رفض الدائن قبضه كان له أن يبرئ ذمته بإيداعه في مستودع الأمانات الذي تعينه المحكمة…”
ويستفاد من كل ما سبق بيانه من أحكام، أن المدين يصير متماطلا كلما تأخر عن تنفيذ الالتزام الذي يقع عليه والذي حل أجله كليا أو جزئيا من غير التمسك بسبب مشروع ومقبول. فإن لم يكن الالتزام مربوطا بأجل، لا يعد المدين في حالة مطل إلا بعد إنذاره بالكيفية المنصوص عليها ضمن مقتضيات الفصل 255 أعلاه.
ومتى كان الالتزام عبارة عن مبلغ  من النقود، فإنه يتحتم على المدين أن يقوم بعرضه على الدائن عرضا حقيقيا غير أنه إذا حدث أن رفض الدائن قبضه أمكن للمدين آنذاك أن يراجع المحكمة التي تعين له مكان للإيداع، وهذا المكان لا يخرج حاليا عن صندوق المحكمة الابتدائية.
وما يجب ملاحظته أن المشرع لم يكتف بالمقتضيات أعلاه، وإنما أضاف إليها أخرى ضمن الأحكام المتواجدة في قانون الالتزامات والعقود نفسه والمخصصة لعقد كراء الأشياء باعتباره من أبرز العقود المسماة فهكذا، وبعدما اعتبر الفصل663 أن أداء الوجيبة الكرائية يمثل أهم التزام يقع على المكتري، وبعدما قرر الفصل 664 من نفس القانون أن المكتري يلتزم قانونا بدفع الوجيبة الكرائية المتخلفة في ذمته في الأجل الذي يحدده العقد أو العرف  المحلي أو عند نهاية الانتفاع بالعين المؤجرة. نص الفصل 692 على أنه :
-” للمكري فسخ الكراء مع حفظ حقه في التعويض إن اقتضى الأمر:
أولا : إذا استعمل المكتري الشيء المكترى في غير ما أعد له بحسب طبيعته أو بمقتضى الاتفاق.
ثانيا : إذا اهمل الشيء المكترى على نحو سبب له ضررا كبيرا.
ثالثا : إذا لم يؤد الكراء الذي حل أجل أدائه.
وإلى جانب هذا التنظيم، هنالك تنظيم خاص ضمن بكل من ظهير 24 ماي1955 بشأن أكرية المحلات المخصصة للصناعة أو للتجارة أو للاستغلال الحرفي، وظهير 25 دجنبر1980 بشأن أكرية المحلات المخصصة للسكنى أو للاستعمال المهني”.
نورا أفرياض